سورة الحجر - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


قلت: {إلا من اتبعك}: يحتمل ان يكون منقطعاً، ويريد بالعباد: الخصوص من أهل الإيمان والإخلاص، أي إن عبادي المخلَصين لا تسلط لك عليهم، لكن من اتبعك من الغاوين فهو من حزبك. ويحتمل الاتصال، ويريد بالعباد جيمع الناس، أي: إن عبادي كلهم ليس لك عليهم سلطان، إلا من اتبعك من أهل الغواية. فإنك تتسلط عليه بالوسوسة والتزيين والتحريض فقط، فيتبعك؛ لقوله يوم القيامة {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي} [إبراهيم: 22]. وعلى الاتصال يكون المستثنى منه أكثر من المستثنى، وإلا تناقض مع قوله: {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}. قال أبو المعالي: كون المستثنى أكثر من المستثنى منه ليس معروفاً في كلام العرب. انظر ابن عطية والبيضاوي.
و{منهم}: حال من جزء مقدم، أي: لكل باب جزء حاصلٌ منهم مقسوم، أو من المستكن في الظرف لا من مقسوم، لأن الصفة لا تعمل فيما تقدم موصوفها. و{إخواناً}: حال من الضمير المضاف إليه؛ لأنه جزء ما أضيف إليه، والعامل فيه: الاستقرار، أو معنى الإضافة، وكذا: {على سُرُر متقابلين}، ويجوز أن يكون صفتين لإخوان، أو حالين من ضميره.
يقول الحق جل جلاله: {إنَّ عبادي} المتحققين بالعبودية لي، المخلصين في أعمالهم، {ليس لك} يا إبليس {عليهم سلطانٌ} أي: غلبة وتسلط بالغواية والإضلال، {إلا من اتبعك من الغاوين} الذين سبقت لهم الغواية، وتنكبتهم العناية. {وإنَّ جهنم لموعدهم}: لموضع إبعاد الغاوين أو المتبعين لك {أجمعين}، {لها سبعة أبواب} يدخلون فيها لكثرتهم، أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة، وفي كل طبقة باب يسلك منه إليها، فأعلاها: جهنم، وهي للمذنبين من الموحدين، ثم لظى لليهود، ثم الحُطمة للنصارى، ثم السعير للصابئين، ثم سقر للمجوس، ثم الجحيم للمشركين، وكبيرهم أبو جهل، ثم الهاوية، وهي الدرك الأسفل، للمنافقين، وعبَّر في الآية عن النار؛ جملة، بجهنم؛ إذ هي أشهر منازلها وأولها، وهو موضع العصاة الذين لا يخلدون، ولهذا رُوي أن جهنم تخرب وتبلى، يعني: حين يخرج العصاة منها. وقيل: أبواب الطبقات السبع كلها من جهنم، ثم ينزل من كل باب إلى طبقته التي تفضى إليه. قاله ابن عطية.
قال البيضاوي: ولعل تخصيص العدد بالسبعة، لانحصار مجامع المهلكات في الركون إلى المحسوسات، ومتابعة القوة الشهوية والغضبية. اهـ. فالقوة الشهوية محلها ست وهي: السمع والبصر والشم واللسان والبطن والفرج. والقوة الغضبية في البطش باليد والرجل، فالمعاصي المهلكات جلها من هذه السبع، ومَلِكها القلب، إذا صلح صلحت، وإذا فسد فسدت. كما تقدمت للطبقات، قال تعالى: {لكل بابٍ منهم} أي: من الأتباع {جُزْءٌ مَقْسومٌ} أفراد له، لا يدخل إلا منه، ولا يسكن إلا في طبقته.
وقد تقدم أهل كل طبقة، من عصاة الموحدين إلى المنافقين.
ثم شفع بضدهم، على عادته سبحانه وتعالى في كتابه، فقال: {إنَّ المتقين} للكفر والفواحش، أو لمتابعة إبليس، {في جنات وعيون}، لكل واحد جنة وعين، أو لكل واحد جنات وعيون، يقال لهم عند دخولهم: {ادخلُوها}، وقرأ رويس عن يعقوب: {أدخلُوها}؛ بضم الهمزة وكسر الخاء، على البناء للمفعول، فلا يكسر حينئذٍ التنوين، أي: تقول الملائكة لهم: ادخلوها، أو قد أدخلهم الله إياها. {بسلام} أي: سالمين من المكاره والآلام، أو مسلماً عليكم بالتحية والإكرام، {آمنين} من الآفة والزوال.
{وَنَزَعْنا ما في صُدُورهم من غلٍّ} أي: من حقد وعداوة كانت في الدنيا، وعن علي رضي الله عنه: (أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم)، أو من التحاسد على درجات ومراتبِ القُرْبِ.
قلت: أما التحاسد على مراتب القرب فلا يكون؛ لاستغناء كل أحد بما لديه، وأما التأسف والندم على فوات ذلك بالتفريط في الدنيا فيحصل، ففي الحديث: «ليس يَتَحَسَّرُ أهْلُ الجَنَّةِ على شيء إلاَّ على سَاعَةٍ مَرَّتْ لهم لَمْ يَذْكُرُوا الله فيهَا» ولا يحصل التحسر حتى يرى ما فاته باعتبار وقوفه. قال ابن عطية: ذكر هنا نزع الغل من قلوب أهل الجنة، ولم يذكر له موطناً، وجاء في بعض الحديث أن ذلك على الصراط، وجاء في بعضها: أن ذلك على أبواب الجنة، وفي بعضها: ان الغل يبقى على أبوابها كمعاطن الإبل. ثم قال: وجاء في بعض الأحاديث: أن نزع الغل إنما يكون بعد استقراهم في الجنة. والذي يقال في هذا: أن الله ينزعه في موطن من قوم وفي موطن من آخرين. اهـ.
قلت: والذي جاء في الأحاديث الواردة في أخبار الآخرة: ان أهل الجنة، إذا قربوا منها وجدوا على بابها عينين، فيغتسلون في إحداهما، فتنقلب إجسادهم على صورة آدم عليه السلام، ثم يشربون من الأخرى فتطهر قلوبهم من الغل والحسد، وسائر الأمراض، وهو الشراب الطهور. قاله القشيري في قوله تعالى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان: 21]: يقال: يُطَهَّرُهم من محبة الأغيار، ويقالُ: ويُطَهَّرُهم من الغلِّ والغِشِّ والدَّعوى... إلخ ما ياتي إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم، وسترى وتعلم.
ثم قال تعالى: {إخواناً}، أي: لما نزعنا ما في صدورهم من الغل صاروا إخواناً متوددين، لا تباغض بينهم ولا تحاسد، {على سُرُرٍ متقابلين}؛ يقابل بعضهم بعضاً على الأسرة، لا ينظر أحد في فناء صاحبه. وقال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي: المتجه أن المقابلة معنوية، وهي عدم إضمار الغل والإعراض، سواء اتفق ذلك حسّاً أم لا، ومن أضمر لأخيه غلاً فليس بمقابله، ولو كان وجهه إلى وجهه، بل ذلك أخلاقُ نفاقٍ، ولذلك شواهد بذمه لا بمدحه. اهـ. {لا يَمسُّهم فيها نَصَبٌ} أي: تعب، {وما هم منها بمخْرَجين}، لأن تمام النعمة لا يكون إلا بالخلود والدوام فيها.
أكرمنا الله بتمام نعمته، ودوام النظر إلى وجهه آمين.
الإشارة: لا ينقطع عن العبد تسلط الشيطان حتى يدخل مقام الشهود والعيان، حين يكون عبداً خالصاً لله، حراً مما سواه، وذلك حين ينخرط في سلك القوم، ويزول عنه لوث الحدوث والعدم، فيفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، وذلك بتحقيق مقام الفناء، ثم الرجوع إلى مقام البقاء. قال الشيخ أبو المواهب رضي الله عنه: من رجع إلى البقاء أمن من الشقاء؛ وذلك أن العبد حين يتصل بنور الله، ويصير نوراً من أنواره، يحترق به الباطل ويدمغ، فلا سبيل للأغيار عليه. ولذلك قال بعضهم: نحن قوم لا نعرف الشيطان، فقال له القائل: فكيف، وهو مذكور في كتاب الله تعالى، قال تعالى {إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً} [فاطر: 6]؟. فقال: نحن قوم اشتغلنا بمحبة الحبيب، فكفانا عداوة العدو. وحين يتحقق العبد بهذا المقام ينخرط في سلك قوله تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل..} الآية، وهذا لا ينال إلا بالخضوع لأهل النور، حتى يوصلوه إلى نور النور، فيصير قطعة من نور غريقاً في بحر النور.


يقول الحق جل جلاله: {نبِّىءُ}: أخبر، {عبادي أني أنا الغفور الرحيم} لمن آمن بي، وصدق رسلي، {وأنَّ عذابي هو العذابُ الأليم} لمن كفر بي، وجحد رسلي، أو بعضهم. قال البيضاوي: هي فذلكة ما سبق من الوعد والوعيد، وتقرير له، وفي ذكر المغفرة دليل على أنه لم يرد بالمتقين متقى الذنوب بأسرها، كبيرها وصغيرها، وفي توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب أي: لم يقل وأنا المعذب المؤلم ترجيح الوعد. اهـ.
وذكر ابن عطية ان سبب نزولها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى جماعة من أصحابه، عند باب بني شَيْبَةَ في الحرم، فوجدهم يضحكون، فزجرهم ووعظهم، ثم ولى، فجاءه جبريل عن الله، فقال: يا محمد أتُقَنِّط عبادي؟ وتلى عليه الآية، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأعلمهم. اهـ. ثم قال: ولو لم يكن هذا السبب لكان ما قبلها يقتضيها؛ إذ تقدم ذكر ما في النار وذكر ما في الجنة، فأكّد تعالى تنبيه الناس بهذه الآية. اهـ.
قيل: وهذه الآية أبلغ ما في القرآن في إثارة الخوف والرجاء من الآي التي لا تشبهها في الإجمال؛ لما فيها من التصريح، ثم الرجاء فيها أغلب؛ لأجل التقديم، مع ذكره في آية الرجاء، لصفاته العلية وأسمائه الحسنى، وذلك يؤذن بالتهمم به وترجيحه، وهو مذهب الصوفية في حال الحياة والممات.
الإشارة: الخوف والرجاء يتعاقبان على الإنسان، فتاره يغلب عليه الخوف، وتارة يغلب عليه الرجاء. هذا قبل الوصول، وأما بعد الوصول فالغالب عليهم الاعتدال، قال في التنبيه: أما العارفون الموحدون فإنهم على بساط القرب والمشاهدة، ناظرون إلى ربهم، فانون عن أنفسهم، فإذا وقعوا في ذلة، أو أصابتهم غفلة، شهدوا تصريف الحق تعالى لهم، وجريان قضائه عليهم. كما أنهم إذا صدرت منهم طاعة، أو لاح منهم لائح من يقظة، لم يشهدوا في ذلك أنفسهم، ولم يروا فيها حولهم ولا قوتهم؛ لأن السابق إلى قلوبهم ذكر ربهم، فأنفسهم مطمئنة تحت جريان أقداره. وقلوبهم ساكنة بما لاح لهم من أنواره، ولا فرق عندهم بين الحالين؛ لأنهم غرقى في بحار التوحيد، قد استوى خوفهم ورجاؤهم، فلا ينقص من خوفهم ما يجتنبونه من العصيان، ولا يزيد في رجائهم ما يأتون من الإحسان. اهـ. قلت: بل طرق الرجاء عندهم أرجح كما تقدم؛ لأن الرجاء ناشئ عن غلبة المحبة، وهي غالبة. والله تعالى أعلم.


قلت: {سلاماً}: مفعول بمحذوف، أي: سلمنا سلاماً، أو نسلم عليكم سلاماً. والضيف يطلق على الواحد والجماعة، والمراد هنا: جماعة من الملائكة، و{تُبشرون}: قرئ بشد النون؛ بإدغام نون الرفع في نون الوقاية، وبالتخفيف؛ بحذف إحدى النونين، وبالفتح على أنها نون الرفع. و{يقنط}: بالفتح والكسر، يقال: قنط كضرِب وعلم.
يقول الحق جل جلاله: {ونَبَّئهم} أي: وأخبر عبادي {عن ضيف إبراهيمَ} حين بشروه بالولد، وأعلموه بعذاب قوم لوط، لعلهم يعتبرون فيرجون رحمته ويخافون عذابه. أو: ونبئهم أن من اعتمد منهم على كفره وغوايته، فالعذاب لاحق به في الدنيا، كحال قوم لوط. ثم ذكر قصتهم من أولها فقال: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم}، وذلك حين {دخلوا عليه}، وهم أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، {فقالوا سلاماً} أي: نُسلم عليكم سلاماً، قال: سلام، ثم أتاهم بعجل حنيذ، فلما قربه إليهم، قالوا: إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن، فقال إبراهيم: إن له ثمناً، قالوا: وما ثمنه؟ قال: تذكرون اسم الله على أوله، وتحمدونه على آخره، فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال: حق لهذا ان يتخذه ربه خليلاً، فلما رأى أنهم لا يأكلون فزع منهم. ومن طريق آخر: أن جبريل مسح بجناحه العجْل، فقام يدرج حتى لحق بأمه في الدار. اهـ. هكذ ذكر القصة المحشي الفاسي عن ابن حجر.
فلما أحس إبراهيم عليه السلام بالخوف منهم {قال إنكم منكم وَجِلُون}: خائفون؛ إما لامتناعهم من أكل طعامه، أو لأنهم دخلوا بغير إذن، أو في غير وقت الدخول. والوجل: اضطراب النفس لتوقع مكروه. {قالوا لا تَوْجَلْ}: لا تخف، ثم عللوا نهيه عن الخوف فقالوا: {إنا نبشِّرك بغلام} وهو إسحاق، لقوله {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} [هود: 71]، {عليمٍ} إذا بلغ أوان العلم. {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي على أَن مَّسَّنِيَ الكبر} أي: أبشرتموني بالولد مع أني قد كبر سني، وكان حينئذٍ من مائة سنة وأكثر، {فبِمَ تُبَشِّرونِ}؟ أي: فبأي أعجوبة تبشرون؟ أو فبأي شيء تبشرون؟ فإن البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة بشارة بغير شيء. قال ذلك على وجه التعجب من ولادته في كِبَرهِ.
{قالوا بشرناك بالحق}: باليقين الثابت الذي لا محالة في وقوعه، فلا تستبعده، ولا تشك فيه، {فلا تكن من القانطين}: من الآيسين، فإن الله تعالى قادر على أن يخلق بشراً من غير أبوين، فكيف من شيخ فانٍ وعجوز عاقرٍ. وكان استعجاب إبراهيم باعتبار العادة، دون القدرة؛ ولذلك {قال ومن يَقْنَطُ من رحمة ربه} أي: لا ييأس من رحمة ربه {إلا الضالون}: أي: المخطئون طريق المعرفة، فلا يعرفون سعة رحمته تعالى، وكمال قدرته، قال القشيري: أي: من الذي يقنط من رحمة الله إلا من كان ضالاً، فكيف أخطأ ظنكم بي، فتوهمتم أني أقنط من رحمة ربي؟ اهـ.
وفيه دليل على تحريم القنوط؛ قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} [يوسف: 87].
{قال فما خَطْبُكم أيها المرسلون} أي: ما شانكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة؟ ولعله علم ان كمال المقصود ليس هو البشارة فقط، لأنهم كانوا عدداً، والبشارة لا تحتاج إلى عدد، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم. أو لأنهم بشروه في تضاعيف الحال؛ لأزالة الوجل، ولو كانت تمام المقصود لابتدروه بها. ثم أجابوه: {قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين}؛ يعني: قوم لوط؛ لأن شأنهم الإجرام بفعل الفاحشة، {إلا آل لوطٍ} أي: لكن آل لوط لم نُرْسَل إلى عذابهم؛ إذ ليسوا مجرمين: أو أرسلنا إلى قوم أجرموا كلهم، إلا آل لوط، لنهلك المجرمين وننجي آل لوط، ويدل عليه قوله: {إنا لمنجُّوهم أجمعين} من العذاب الذي يهلك به قوم لوط.
قال ابن جزي: قوله: {إلا آل لوط}: يحتمل أن يكون استثناء من قومه، فيكون منقطعاً؛ لوصف القوم بالإجرام، ولم يكن آل لوط مجرمين. ويحتمل أن يكون استثناء من الضمير في {مجرمين}؛ فيكون متصلاً، كأنه قال: إلى قوم أجرموا كلهم آل لوط فلم يجرموا، قوله: {إلا امرأته}؛ استثناء من آل لوط، فهو استثناء من استثناء. قيل: وفيه دليل على أن الأزواج من الآل؛ لأنه استثنى امرأته من آله. وقال الزمخشري: إنما هو استثناء من الضمير المجرور في قوله: {إنا لمنجوهم}، وذلك هو الذي يقتضيه المعنى. اهـ. أي: إنا لمنجوهم من العذاب {إلا امرأته قدَّرنا إنها لمن الغابرين}؛ الباقين في العذاب مع الكفرة؛ لتهلك معهم، وقرأ أبو بكر عن عاصم: {قدرنا} بالتخفيف، وهما لغتان، يقال: قدّر الله وكذا وقدره، قال البيضاوي: وإنما علق، والتعليق من خواص أفعال القلوب؛ لتضمنه معنى العلم، ويجوز أن يكون {قدرنا}: أجرى مجرى قلنا؛ لأن التقدير بمعنى القضاء قول، وأصله: جعل الشيء على مقدار غيره، وإسناد التقدير إلى إنفسهم، وهو فعل الله تعالى؛ لما لهم من القرب والاختصاص. اهـ.
قلت: وفيه إشارة إلى حذف الوسائط، كما هو توحيد المحققين. والله تعالى أعلم.
الإشارة: لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية، فالوجل والخوف والفرح والحزن والتعجب والاستعظام للأشياء الغريبة، كل ذلك من وصف البشر، يقع من الخصوص وغيرهم، لكن فرق بين خاطر وساكن، فالخصوص تهجم عليهم ولا تثبت، بخلاف العموم.
ويؤخذ من الآية: أن صحبة الخصوص لا تنفع إلا مع الاعتقاد والتعظيم، فإنَّ امرأة نبي الله لوط كانت متصلة به حساً، ومصاحبة له، ولم ينفعها ذلك، حيث لم يكن لها فيه اعتقاد ولا تعظيم. وكذلك صحبة الأولياء: لا تنفع إلا مع صدق والتعظيم. وقول ابن عطاء الله: سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه. ولم يوصل إليهم إلا من اراد أن يوصله إليه: مقيد بوصول التعظيم والاعتقاد، والاستماع والاتباع. والله تعالى أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5